Thursday, May 23, 2013

تقرير عرض شخصية : الفنانة هند الجرمي لمسـآت شبابية و ألوآن ملئى بالحياة


نيسـان- انوار شحاده

احدى لوحات الفنانة هند الجرمي



  هنا في أحد أحياء العاصمة عمان ، يختبئ بيت تحت مسجد معروف باسمه ، تفوح من أركانه رائحة الابداع ، لوحات آسرة باتقانها ، و ألوآن تأخذك الى عالم آخر ، تلجأ اليها بلا وعي ، حاملًا معك حقيبة كلثومية بألحان سنباطية ، و ريشة ، وأفكار رامبرانتية .. أجل أنه منزل الفنانة التشكيلية هند الجرمي ، ابنة العلامة المشهور د.ابراهيم الجرمي ، ذلك الرجل الذي أخذ بيد مبدعته الصغيرة ، و اشترى لها ألوانًا و دفاتر رسم ، لتوصل الخطوط ببعضها و نتوه نحن في دوامة جمالية بداياتها رائعة كبدايات الحب ، و نهايتها كأفلاطونيات تبقى بروحها و ان وصلت للختام .
 هند ، ياسمينة في بستان يزدان فيه آلاف الشباب ، الا أن ما يميزها حقًا أنها ياسمينة نبتت في الخريف ، استظلت من فيء العقبات مآ حماها من نيران المستحيل ، و ها هي الآن في ربيعها العشرين ، و قد حققت ما عجز الكثيرون عن تحقيقه و الوصول اليه .

الدين و الفن  
 وُلِدت هند في أسرة متدينة و محافظة الى حد ما ، والدها حافظ و قارئ للقرآن الكريم ، و مقدم  لبرامج دينية ، و أمها معلمة  في احدى المدارس القاطنة في عمان . لم يكن أهلها من المتدينيين المتطرفين ، بل كانوا واعيين تمامًا لمدى أهمية  دعم موهبة الطفل و مساعدته على تحقيق أحلامه ، فلم يسيروا ابنتهم يومًا كما أرادوا ، و لم يقتلوا حس الفن فيها ،و اعتبروا ذلك جريمة بحق الطفل ، و محو لشخصيته. فوالدا هند كانا الداعم الأساسي لموهبتها ، فمن خلال دفاتر رسم و أقلام تلوين و كلمات تشجيعية  ، خلقوا فنانة متميزة .
  لم تذكر هند متى بدأت بالرسم ، فكل ما تذكره أنها كانت ترسم ، لم تعهد أصابعها يوماً بلا قلم  رصاص تتموج من رأسه خيوط حياة ، فمنذ بداية ادراكها لمجريات الأحداث و سلسلة الوقائع ، شهدت نفسها ترسم الوجوه التي حولها ، فهي مأخوذة حتى الان بالطبيعة الانسانية ، و تفاصيل الخلق الرباني للجسد و خصوصاُ الوجه و قسماته ، و معالمه التي تعكس ابداع الخالق .

مشجعات و محبطات
  تعتبر المدرسة بمثابة البيت الثاني للطالب ، فالأم في البيت لها نظير في المدرسة ،  تشجع و تغذي مواهب ابنائها بالكلمة الطيبة ، الا أن الأم لا تستغل أبناءها ، على عكس بعض المعلمات اللاتي لا يمثلن الا أنفسهن ، و اللاتي كنَ مثالا للاستغلال بكل معنى الكلمة ، فقد كنَ يطلبن منها رسم لوحات لاولادهنَ ، و ادارج اسمائهم تحتها بلا شكر حتى و لا تقدير ، و لأن المعلمة كانت كالأم ، و لأن الاعتراض جريمة في دساتير المعلمات ، لم تقل هند يوماً لطلباتهن الا "على الرحب و السعة"!  .و كما وُجدَ الطالح وُجد الصالح  ، فبعض المعلمات ساعدنَ هند ، و قدرن مسؤوليتهن كحاملات رسائل ، و رشحنها لمسابقات مدرسية ، كان أهمها مسابقة اليونيسيف التي شاركت بها فنانتنا و حصلت على المركز الأول على مستوى مدارس المملكة.

لوحة للفنانة هند الجرمي تعكس من خلالها معالمها



الجامعة ..سحابة حملتها نحو الأعالي
  كبرت هند ، و كبرت أحلامها معها ، لم تشترك بمسابقات أخرى غير المدرسية ، و قررت أن تجعل الرسم جزءًا من حياتها الشخصية ، فكان الرسم  يكرس لحظات فرحها و شجنها ، و اعتبرته وسيلة للتعبير عما بداخلها ، و لم تعتبره غاية عنوانها الشهرة أو النقود أو غير ذلك ، فبعد انتهائها من مرحلة الثانوية قررت دخول الجامعة الأردنية بتخصص الفنون التشكيلية ، الذي لم تكن تعلم بوجوده لولا أختها التي كانت طالبة في تلك الجامعة ، و قبل تجاوزها مرحلة التوجيهي الى كلية الفنون ، و اصطحبت معها أعمالها الفنية ، وقتئذ أعجبت بأسلوب أساتذتها و طريقة تقييمهم لأعمالها و طلبوا منها أن تدرس في كليتهم  و أن تتخصص في الفنون التشكيلية ، و أحبت الفكرة التي لم تزر بالها قبل ذاك اليوم ، و شعرت أنها ستجد نفسها في ذاك المكان . و الآن يراها أساتذتها الجامعيين من أكثر الطلاب المتميزيين ، و يهتموا بها و يشجعونها بشكل كبير ، و يتمنوا أن تنضم الى الهيئة التدريسية بعد تخرجها لتميزها ، فبكلامهم و أفعالهم سارعوا خطواتها نحو النجاح.
و تفتخر هند بأساتذتها كما يفتخروا بها ، فهي تعتبرهم كنز لا يفنى ، كما يعتبرونها ، و خصوصاً الفنان عزيز عمورة ، الذي يعتبر من أعظم مدرسي الفنون على مستوى المملكة.

أوسمة بشرية
  هند، ليست محبوبة من قبل أساتذتها الجامعيين فقط ، فبعد الاستماع الى مديحهم و فخرهم بها ، قمنا بالاستماع الى زملائها و زميلاتها ، اللذين أثنوا على حسها الفني ، و وصفها البعض بالمتميزة حقاً و بالعبقرية . و بعد الرجوع قليلاً الى أيام الدراسة الثانوية ، هطلت غيمة مديح معلمة الفنون لهند آنذاك منال جبر ، بحيث كانت تتوقع لها مستقبل باهر جداً لعبقريتها في مجال الرسم .

لوحة للفنانة هند الجرمي 


النجاح ثمرة الجهد
 لم تكن هند مخطئة بتقديرها للجامعة الأردنية كمكان تحقق فيه طموحاتها ، فبعد دخولها الجامعة شاركت بمعرضين مخصصين للطلاب الخريجين ، الا أن تفوقها وابداعها دفع أساتذتها الى اختيارها لعرض لوحاتها الفنية في جالاري "نبض" في جبل عمان بمعرضيه ، و قد افتتح الأول الأمير حسن والآخر الأميرة ثروت ، و اعتبر المعرضان متميزان بما حملاه من لوحات رائعة، مما أعطى دافع كبير للفنانة هند بعد أن تألقت في أول تجربة لها .
و لها مساهمات تطوعية كتلك التي قامت بها قبل أشهر ، فقد نثرت لمساتها على جدران مستشفى الفحيص ، ما قد يهدأ نفسية المرضى .

الطموح نبض حتى آخر رمق
  لا تخشى هند من الغد ، فهي واثقة الخطى ، و تعتبر أحد مقومات النجاح هو تجاهل انتقادات الآخرين غير البناءة  و مراقبتهم لخطاها المتثاقلة في المجال الذي تبدع به ، و هي لم تشعر يوماً أنها ترسم لتحقق غاية محددة بقدر ما تشعر أنها ترسم لعشقها لذلك الفن و تجذره في أعماقها منذ نعومة أظفارها ، فالتفكير الكثير في المستقبل يأرقها و يمنعها عن الاستمتاع  بلوحاتها ، و قد يقلل من مدى انجازها ، الا انها - و بعد تجاوزها 3 سنوات من المرحلة الجامعية - ، تخطط بجدية لاكمال دراستها في ايطاليا ، موطن الفنانين التكشيليين و الزهرة التي يفوح من أوراقها عبق الابداع.

للفن أجواء "سآحرة"
 لا يتطلب الرسم من هند سوى الاستوديو الهادئ المستلقي في أحد أركان بيتها ، و موسيقى للسنباطي أو دندنات لبليغ حمدي ، و كلمات لأم كلثوم و صمت ، فتعتبر الموسيقى العربية بالنسبة الى هند، الملهم الرئيسي للروح ، الموسيقى و الرسم فنان متكالملان لا يمكن فصلهما ، حالهما كحال بقية الفنون ، فالمسرح و السينما و النحت و سائر الفنون الأخرى تعتبر حلقة واحدة مكملة لبعضها ، و ان لم تجربها شخصياً بأكملها ، الا أنها متابعة جيدة لها.
و لا تعتبر الموسيقى الملهم الوحيد لهند الجرمي ، بل هناك فنان يلهمها بتفاصيل لوحاته المرهقة ، و تعتبره عرابها الروحي في الرسم ألا وهو رامبرانت ، فهي تغرق بتفاصيل لوحاته الجمالية.

 محطات ابداع هند الجرمي
  تركز هند في لوحاتها على بؤر الطبيعة الانسانية أكثر من أي شيء آخر ، فهي تعشق رسم الجسد الانساني و خصوصاً الوجه و قسماته ، و  نلحظ أن قسمات وجهها تحتل جزءاً لا بئس به من لوحاتها، بحيث تستطيع أن ترى هيأتها و ملامحها المجسدة في فنها ، و قد تجد التطورات الملحوظة على شكلها منذ أن رأته بالمرآة للمرة الأولى حتى المرة الأخيرة.
 و تحب الجرمي فن النحت و تعتبره عالم بحد ذاته ، و تعتقد أن من يتقنه يتميز بابداعه و رؤيته العميقة لبواطن التفاصيل.


وستبقى حقولنا العربية مزدانة بزهور التوليب و الكادي و الأوركيد ، ليس فقط الياسمين ، لكن علينا ألا ننسى أن تلك الزهور تحتاج الى الرعاية و السقاية لتنمو وتكبر .

No comments:

Post a Comment